الاقتصاد الدائري في السعودية- وعي أقل، وفرص استثمارية واعدة.

المؤلف: بشرى فيصل السباعي11.16.2025
الاقتصاد الدائري في السعودية- وعي أقل، وفرص استثمارية واعدة.

في تحليلٍ لنتائج استطلاع رأي نُشر على حساب المركز الوطني لإدارة النفايات "موان" في منصة تويتر/إكس، تبيّن أن نسبة كبيرة من المشاركين، تحديداً 59.1%، لم يسبق لهم أن سمعوا بمفهوم الفرق بين الاقتصاد الخطي والاقتصاد الدائري. تجدر الإشارة إلى أن هذه النسبة قد تكون أعلى بكثير بين عموم المواطنين مقارنة بمتابعي حساب المركز، الذي يسعى جاهداً لنشر الوعي حول هذه المفاهيم بشكل مستمر. هذه النتيجة تبعث على الأسف، خاصة في ظل التبني الرسمي لمفهوم الاقتصاد الدائري واعتباره حجر الزاوية في الخطط الاقتصادية والصناعية المستقبلية للمملكة العربية السعودية. فالإقتصاد الدائري يمثل ميداناً خصباً للاستثمارات، والصناعات المتطورة، والأبحاث العلمية المبتكرة. ولا شك أن وعي المواطن العادي بأهمية هذا المفهوم أمر بالغ الأهمية، إذ أن بعض تطبيقاته العملية تتطلب تعاوناً وتفاعلاً من الأفراد، مثل فرز النفايات المنزلية لتسهيل إعادة تدويرها وتصنيعها. من هنا، تبرز الحاجة الماسة إلى تكثيف جهود التوعية بمفهوم الاقتصاد الدائري. وفي هذا السياق، يجدر بنا أن نذكر إعلان صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، خلال كلمته في افتتاح قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر في الرياض، عن تأسيس صندوق إقليمي ضخم للاستثمار في تقنيات الاقتصاد الدائري. وإضافة إلى ذلك، أطلق سموه مبادرة عالمية تهدف إلى تقديم حلول مبتكرة للوقود النظيف بقيمة تصل إلى 39 مليار ريال سعودي، حيث ستساهم المملكة بتمويل ما يقارب 15٪ من قيمتها. لقد تبنت المملكة العربية السعودية، خلال فترة رئاستها لمجموعة العشرين في عام 2020، مفهوم الاقتصاد الدائري وحصلت على موافقة المجموعة لاعتماده كإطار عمل شامل لمعالجة الانبعاثات المسببة لتلوث البيئة والتغيرات المناخية الناجمة عنها. وفي عام 2021، أطلقت المملكة البرنامج الوطني للاقتصاد الدائري للكربون، ما يعكس التزامها الراسخ بهذا المفهوم. وقد صرح صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، بأن المملكة قد تبنت مفهوم الاقتصاد الدائري منذ عام 2019. كما بادرت وزارة الصناعة والثروة المعدنية بإطلاق مبادرة طموحة لتسريع عجلة الاقتصاد الدائري. والجدير بالذكر أن العديد من المؤسسات الصناعية والإنتاجية الكبرى في المملكة قد بدأت بالفعل في تبني استراتيجية التحول إلى نموذج الاقتصاد الدائري. فعلى سبيل المثال، فازت شركة أرامكو السعودية في عام 2021 بجائزة تحدي الاقتصاد الدائري التي تنظمها المؤسسة الأوروبية لإدارة الجودة. كما كانت الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" من أوائل شركات الكيماويات العالمية التي التزمت بمفهوم الاقتصاد الدائري وقامت بإنشاء أكبر مصنع في العالم لإعادة استخدام الكربون في مدينة الجبيل الصناعية. على النقيض من ذلك، يعتمدالاقتصاد الخطي على استهلاك المنتج لمرة واحدة فقط ثم تحويله إلى نفايات يتم التخلص منها عن طريق الدفن أو الحرق، مما يتسبب في تلوث البيئة، وخاصة انبعاث الغازات الضارة التي تؤثر سلباً على المناخ وتسبب الكوارث المناخية. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الاقتصاد الخطي هدراً كبيراً للموارد الطبيعية الثمينة بشكل غير مستدام، نظراً لكون هذه الموارد محدودة وقابلة للنضوب. أما الاقتصاد الدائري، فيقوم على مبادئ أساسية مثل إعادة التدوير، وإعادة التصنيع، والاستخدام المتكرر، والتجديد، والصيانة الدورية للمنتجات، بهدف إطالة عمرها الافتراضي لأطول فترة ممكنة. وهذا بدوره يؤدي إلى تحقيق كفاءة عالية في استخدام الموارد، وتعزيز الاستدامة، وتقليل الهدر، والحد من النفايات والتلوث والانبعاثات الضارة بالبيئة التي تنتج عن طرق التخلص التقليدية من النفايات. علاوة على ذلك، يخلق الاقتصاد الدائري فرصاً استثمارية جديدة وواعدة في مجالات إعادة التدوير والتصنيع المبتكرة. إن نموذج الاقتصاد الدائري يقتدي بالنظام الطبيعي المتوازن، حيث لا وجود للنفايات في الطبيعة. فكل ناتج عن استهلاك الموارد الطبيعية يتم إعادة تدويره واستخدامه ضمن المنظومة الطبيعية المتكاملة. بينما في عالم البشر، للأسف، يتم إعادة تدوير 8.6% فقط من أصل 100 مليار طن من الموارد المستخدمة عالمياً كل عام. وهذا يسلط الضوء على الأهمية القصوى لتوعية المؤثرين في الدورة الاقتصادية بمفهوم الاقتصاد الدائري والفرص الاستثمارية الهائلة التي يتيحها، مع التشجيع المستمر لمجالات الدراسات الأكاديمية المتخصصة للتوصل إلى حلول تقنية مبتكرة تسهل عملية التحول إلى الاقتصاد الدائري. كما يجب التأكيد على ضرورة فرض التشريعات اللازمة التي تبدأ من عملية التصنيع نفسها، بهدف جعل المنتجات قابلة لإعادة التدوير المتكرر. ولا بد من إقامة مظلة شاملة لتنسيق الجهود المبذولة للتحول إلى الاقتصاد الدائري. وسيكون من المفيد أيضاً لتسهيل وتسريع هذا التحول إقامة ورش عمل متخصصة ومؤتمرات رفيعة المستوى للتعريف بفرص ومجالات الاقتصاد الدائري، تجمع المستثمرين ورواد الأعمال، والكفاءات العلمية المتميزة، وعموم المعنيين بصنع هذا التحول. وأخيراً، يمكن الإعلان عن جائزة وطنية مرموقة للتحول إلى الاقتصاد الدائري، لتحفيز وتشجيع المبادرات المتميزة في هذا المجال.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة